ظاهرة الإرهاب الدولي وأبعادها على السلم والأمن الدوليين
سرطان العام
كما أطلق عليها فهذه الظاهرة واحدة من أخطر التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي في الوقت الحالي ، لقد انتشرت هذه الظاهرة بشدة منذ الستينات من القرن العشرين مما جعل المحللين يصفها بالظاهرة السرطانية التي تهدد العالم كله .
ومن الواضح جليا أن أصعب صور الإرهاب هو ما ترعاه الدول والحكومات وتسانده في الخفاء بكل وسائل الدعم والتحريض والتمويل في الوقت الذي تحاول فيه أن تتنصل أمام المجتمع الدولي من مسئوليتها عنه ، فهي ترى في الإرهاب الوسيلة التي تحقق لها أهدافها عن تلك الوسائل المشروعة ومن هنا تنشأ الازدواجية .
فمن ناحية تعريف الإرهاب الدولي يظهر الخلاف واضحا بين الدول وبالأخص إذا كانت دولة استعمارية إذ ترى أن تلك الأعمال التي تدافع بها الدول عن نفسها انه إرهاب في حين أنه يتصف بالمقاومة المشروعة – فلسطين مثلا – وهكذا لا يوجد تعريف واحد مقبول دوليا ولكن نستطيع أن نصف العمل الإرهابي إذا توافرت به كل من الأتي
1- استخدام عنف غير مشروع
2- أن يكون القصد من ذلك إلقاء الرعب في الناس وصولا إلى هدف ما
3- توافر نية أو قصد خاص لارتكاب عمل إرهابي
4- يستوي أن يكون العمل موجها إلى أشخاص أو أشياء محمية دوليا
أما تعريف الإرهاب الدولي من وجهة نظر دعاته
هو أكثر الوسائل فعالية هي تدمير الزعامات المتربعة على قمة أجهزة السلطة والنيل من هيبته الحكومات وخلخلة البنيان الأساسي للدول المستهدفة به ، وكذلك يتحقق بإشاعة مناخ من عدم الاستقرار فيها أو يضرب مصادر قوتها الاقتصادية والتي توصل إلى تفكيك أوصال الدولة والانتهاء بها إلى حالة من العجز وانعدام القدرة على المبادأة أو الرد بحسم على ما تحاول تلك الجماعات الإرهابية أن تكرهها على قبوله مهما تعدى ذلك للأطر الشرعية القائمة .
لذلك فإن ظاهرة الإرهاب تتصف بالأتي
1- تتسم بالتنوع والانتشار .
2- يكون لها تأثير نفسي كتأثير الحرب .
3- إن النزاعات العنصرية والعرفية والثقافية والدينية يكون لها دور أساسي في تلك الأعمال الإرهابية .
4- إن الكثير منها يأخذ صورا وأشكالا غير مباشرة عبر إخطبوط معقد للغاية من العلاقات والاتصالات الدولية التي يتعذر تعقب مساراتها والإمساك بها .
ومن أكبر الأمثلة الدالة على ذلك تفجير السفارتين الأمريكيتين في كل من نيروبي بكينيا ودار السلام في تنزانيا في توقيت واحد محكم ودقيق عام 1998 م دون التوصل إلى تحديد هوية الجماعة الإرهابية التي خططت ومولت ونفذت تلك العملية .
سياسة الإرهاب بين الدول
نجد أن بعض الدول قد تقوم بتمويل الجماعات الإرهابية لاستخدامها لمواجهة القوى الخارجية المعادية لها والمثال الواضح هنا العراق وإيران عام 1980 م
والسؤال هنا
في ظل التقدم العلمي الهائل ما مدى احتمال أن تلجأ الجماعات الإرهابية إلى استخدام أسلحة دمار شامل ضد خصومها ؟؟
وللأسف نجد أن هناك ما يسمى بالتكنولوجيا الجديدة للإرهاب ويتمثل أخطرها فى قدرة تلك الجماعات في الحصول على أو إنتاج أسلحة نووية انشطارية وإن كانت في صورة بدائية ، كذلك بمقدور تلك الجماعات أن تحصل بطرق كثيرة وغير مشروعة على كميات من البلوتنيوم الذي يدخل في إنتاج الأسلحة النووية الصغيرة ،بل إن هذه السياسة المدمرة قد تتعدى أكثر من ذلك في محاولة إنتاج أسلحة كيميائية وبيولوجية ذات فاعلية تدميرية كبيرة .
ولكن يجيب بعض الفقهاء على أن هذا احتمال لا يبدو قويا والسبب هو أن استخدام أسلحة ذات قدرة تدميرية غير تقليدية أو غير محددة سواء كانت نووية أو كيميائية أو بيولوجية لن تجذب إلى جانبها مناصرين للقضايا التي يجري استخدام هذه الطاقات التدميرية بقصد الإعلان عنها حيث أن هذا يؤدى الى مبدأ القتل من أجل القتل ومثل هذا العمل لن يسهل لهم الوصول الى أهدافهم بقدر ما يمكن أن يجلب نقمة المجتمع الدولي كله عليهم .
كذلك هل يكون من مصلحتها أن تعلن للأطراف الذي يعنيها هذا التهديد عن امتلاكها لها لكي يحدث هذا الإعلان لديه التأثير النفسي الرادع المطلوب ، وحتى وإن لم يتجاوز ذلك الإفصاح عن نيتها لاستخدام تلك الأسلحة .
أيضا من بين القدرات التكنولوجية الجديدة المتاحة لهذه الجماعات إلى جانب ذلك القدرة على تصنيع الصواريخ الموجهة سواء أكانت صواريخ أرض- رض أو أرض – جو والتي يتم تصويبها إلى أهداف إستراتيجية .
مسئولية الدول تجاه ظاهرة الإرهاب
بصرف النظر عن اختلاف وجهات نظر الحكومات تجاه هذه الظاهرة فقد أمكن التوصل في حقبة السبعينات والثمانينيات إلى العديد من الاتفاقيات والقرارات الدولية التي تحاول أن تكبح جماح تلك الظاهرة ومن أمثلة تلك الاتفاقيات .
1- اتفاقية واشنطن 1971م لمنع ومعاقبة الإرهاب
2- اتفاقية نيويورك 1976م الخاصة بمنع ومعاقبة الجرائم المواجهة ضد الأشخاص المتمتعين بالحماية الدولية والمبعوثين الدبلوماسيين
3- الاتفاقية الأوروبية لقمع الإرهاب عام 1977م
4- القرار الصادر عن الأمم المتحدة في ديسمبر 1985م بمناهضة الإرهاب ومعاقبته
5- الإعلان الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في ديسمبر 1994م حول التدابير المتعلقة بمكافحة الإرهاب الدولي
6- قمة شرم الشيخ لصانعي السلام في مارس 1996 م
والذي شاركت فيه 29 دوله تحت الرئاسة المشتركة لكل من الرئيسين المصري والأمريكي وناقشت 3 قضايا رئيسية هي إنقاذ عملية السلام وسبل توفير الأمن في المنطقة ومكافحة الإرهاب والعنف .
وفي هذا المؤتمر تشعبت وجهات النظر وتباينت عن بعضها
1- الجانب العربي // يرى أن السلام هو القضية المحورية وبتحقيقه يتوقف العنف والإرهاب .
2- الجانب الإسرائيلي والأمريكي // فقد طالب المؤتمر بأن يركز على قضية الإرهاب بصورة أساسية في إشارة منها لأعمال المقاومة المسلحة للمنظمات الفلسطينية وهو الذي يجب أن يحظى بالأولوية وبعد ذلك يتم استئناف عملية السلام .
3- الجانب الروسي // أبدى اهتماما كبيرا بقضية الإرهاب وكان يرى أنه لا فارق بين الإرهاب والمقاومة المسلحة وذلك لأنها متأثرة في موقفها بأحداث الشيشان .
4- الجانب الأوروبي // لم يكن له موقف موحدا حيث كان يوجد المؤيد لقضية الإرهاب وهناك من ناشد المؤتمر بأن يخرج بصيغة متوازنة .
لكن هناك عوائق تحول دون تفعيل هذه المواثيق الدولية بإيجاد الآليات التنفيذية الملائمة على النحو التالي .
1- إن هناك من الدول والحكومات من تخشى أن تصبح هي نفسها هدفا للإرهاب .
2- اختلاف القوانين والتشريعات الداخلية في الدول يساعد الارهابين أحيانا في الحصول على وضع اللاجئ في بعض الدول
3- عدم التوصل إلى تعين الحدود الفاصلة بين مكافحة الجريمة المنظمة ومكافحة الإرهاب .
4- إن تدابير مكافحة الإرهاب يمكن أن تنطوي على انتهاك لحقوق الإنسان بالنسبة لأناس أبرياء لا علاقة لهم بالإرهاب .
صور استخدام القوة المباحة في الشريعة الإسلامية
بالرغم من أن الشريعة الإسلامية منعت الفساد في الأرض وحرمت أعمال العدوان والعنف إلا أنها أقرت بل أوجبت استخدام القوة في بعض الحالات ومنها القتال لرد العدوان وللدفاع الشرعي ولمنع الظلم أو لإرساء حق تقرير المصير وكذلك .
1- استخدام القوة لحماية الرعاية في الخارج
لقوله سبحانه وتعالى (( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا )) النساء 75
ومعنى ذلك أن العلاقة بين الدول الإسلامية ورعاياها في الخارج يجب أن تكون قائمة على النصرة والتأثير والمساعدة .
2- استخدام القوة لردع الإرهاب الدولي
وقد عالج الإسلام هذه الجريمة من خلال الحرابة وتعريفها هي البروز لأخذ مال أو القتل أو إرعاب مكابرة ، وقد تصدى الإسلام لهذه الجريمة موقفا حاسما تجاه من تسول له نفسه لارتكاب هذه الجريمة وذلك في قوله تعالى (( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم * إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم )) المائدة 33-34
أحداث 11 سبتمبر وتغير فكرة الإرهاب والصراع والحرب
لقد ظهر لنا عقب هذه الأحداث مدى قوة الإرهاب وما يملكه من قدرة تدميرية هائلة في وقت كانت أمريكا فيه هي القوة الأعظم في العالم وإنها قوة لا تهزم ، ومن تلك الأحداث بدأت أمريكا تبحث عن أعدائها الذين وجهوا إليها هذه الضربات الموجعة وللأسف وضع الإسلام والمسلمين في ساحة الهجوم أصبح العالم ينظر لنا بنظرة الإرهاب بل ويسعوا إلى تحطيم الإسلام وكانت أهم النتائج لتلك الأحداث الأتي
1- استباحت أمريكا لنفسها أن تحدد عدوها وجهزت الأسلحة الغربية لضرب هذا العدو إي أنها جعلت نفسها الولية على العالم وكانت أفغانستان هي أول الضحايا لمثل هذه الأعمال العدوانية دون التحقق حتى الآن من دور هذا البلد المسكين فيما تم في أمريكا .
2- استباحت أمريكا لنفسها التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى منتهكة بذلك مبدأ هام من ميثاق الأمم المتحدة في المادة 2/7 وهو مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية .
3- أعلنت أمريكا حربا شرسة ضد الإرهاب في كل مكان وحددت قائمة بالدول التي تساعد الإرهاب وأطلقت عليها محور الشر وأغلبها دول إسلامية مثل أفغانستان والعراق وإيران وليبيا وسوريا ثم كوريا الشمالية وكأن الأمم المتحدة لا وجود لها في المجال الدولي .
4- لم تفرق أمريكا بين الهجوم والدفاع ، بين من يحارب الاعتداء ومن يكافح لتحرير أرضة المحتلة ولتقرير مصير بلادة لذا اعتبرت أمريكا على سبيل المثال منظمة حماس – الجهاد- كتائب القسام ، التي تكافح لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل المنظمات الإرهابية وأطلقت يد إسرائيل في تصفيتها والقضاء عليها بكل الوسائل حتى وإن كانت غير مشروعه .
5- ولعل القضية الفلسطينية من أوضح المعالم التي تغيرت بالنسبة لها المواقف الأمريكية ، فخطاب بوش الذي انتظره العالم العربي طويلا الذي ألقاه أوائل يوليو 2002م جاء بصياغة تكاد تكون إسرائيلية فهو يعطي للفلسطينيين أمالا غير واضحة ، ولأول مرة نسمع عن دولة مؤقتة تتحول بعد ذلك إلى دولة منزوعة السلاح ، مقابل إدخال تغيرات في السلطة الفلسطينية وإبعاد عرفات عن الساحة وإطلاق يد إسرائيل في الرد على العمليات الاستشهادية أو الانتحارية كما أطلقت عليها أمريكا وإسرائيل .
والواقع أن فشل المجتمع الدولي في القضاء على ظاهرة الإرهاب الدولي يرجع إلي العوامل الآتية .
1- عامل سياسي : يكمن في عدم توافر الإرادة السياسية لدى الكثير من الدول بالرغم من وجود العديد من القرارات والاتفاقيات الدولية في هذه الظاهرة إلا أنه لا يوجد آلية لتنفيذ تلك الاتفاقيات وكذلك لانتهاك حقوق الإنسان وتفشى الظلم والعدوان .
2- عامل تكتيكي : يتمثل في لجوء بعض الدول إلي تشويه صورة دول أخرى بوصفها للإرهاب لمجرد وجود خلافات بينهما .
3- عامل فني : يرجع إلى التطور الرهيب في مجال الأسلحة المستخدمة لارتكاب العمليات الإرهابية وتنوع الحيل المستخدمة في هذا المجال .
4- عامل ذاتي : يتمثل في انسياق بعض الدول وإن كانت كانت جميعها وراء مصلحتها أو مصالح حلفائها عن طريق خلط الأوراق يتمثل ذلك في نعت بعض الدول أعمال المقاومة للتخلص من الاحتلال الإسرائيلي مثلا بأنها أعمال إرهابية .
المراجع
1- د/ إسماعيل صبري مقلد
العلاقات السياسية الدولية النظرية والواقع – الطبعة الرابعة 2004
2- د/ جعفر عبد السلام
أحكام الحرب والحياد في ضوء القانون الدولي والشريعة الأسلامية .
المقالات والبحوث
1- د/ أحمد أبو الوفا
ظاهرة الأرهاب الدولي .
2- د/ بطرس بطرس غالي
الأمم المتحدة ومواجهة الأرهاب .
المجلات الدولية
مجلة السياسة الدولية العددان 127/161
الباحث
محمود مصطفى عبد الحليم أبوزيد
ماجستير فى القانون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق